عسل أسود

عسل أسود ...
على الرغم من أن الساعة حينها كانت تشير إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل, ومع أن أحداث الفلم قد إنتهت, إلا أنني لم أستطع التوجه إلى الفراش يومها, أحسست ساعتها بان صدري قد تحول إلى ساحة لألاف وألاف المعارك والصراعات؛ صراعات المشاعر والأحاسيس المتأججة والمتضاربة.
أحداث الفلم كانت تحكي قصة شاب مصري قضى أكثر من 20 عاماً من حياته في الولايات المتحدة, وعند عودته إلى بلده, بعد هذا الفاصل الزمني الطويل, تخيل ان يرى مصره هي ذاتها التي حبس صورتها الجميلة في مخيلته منذ سنيّ الطفولة القديمة, لكنه يتفاجأ بالواقع المرير والمريض الذي يعيشه مجتمعه الجديد والغريب هذا في التعامل والجشع وما شئت أن تذكر, لكن على الرغم من ذلك؛ فبعد أن قضى مزيداً من الوقت غائصاً في جزئيات هذا المجتمع الجديد يكتشف إن روعة الجمال تكمن في التفاصيل الدقيقة للناس المتمثلة أساساً بطيبتهم, وأن الروح النبيلة الحقيقية تنبت من المرارة التي يعيشوها, وهذا يتجلى بوضوح حين يبدأ في البحث عن الإيجابيات التي تحيطه, هنا تبدأ رحلته الجديدة في إكتشاف الروح الجميلة لأبناء جلدته.
عندها أحسست مدى روعة الشعب العراقي المجاهد بكل ما تحمله الكلمة من معنى, فأنا –بل نحن جميعاً- لست غريباً أبداً عن هذا المصري وعن التجربة التي إختبرها وغيّرته, فعلى الرغم من البشاعة التي نعيشها في المجتمع الذي حولنا؛ إلا أننا لا نستطيع ان نكف عن الإشتياق لتراب هذا البلد بمجرد أن تبتعد أرضه عن حدود إبصارنا, عجيبة هي تلك الأحاسيس وغريبة هذه المشاعر.
لربما يضحك عليَّ أحدكم ساخراً: ما هذا الذي شاهدته سوى سلسلة درامية سينمائية, لا تعبّر عن واقع. أقول, ربما أنت مصيب وربما كان وضعنا سيئاً هكذا او حتى أسوأ!, لكن أليس نحن من خلقنا هذا القبح وألسنا نحن من نحتنا بتكاسلنا عجلاً وجعلناه إماماً لنا يبعدنا عن جادة الصواب كما فعل يهود السامريّ سابقاً, أوليست طريقة تفكيرنا أساساً هي التي صنعت مجتمعاً متفسخاً, هل حكامنا الذين يسرقوننا.. عفواً يحكموننا هم من هذا المجتمع أم إنهم من كوكب أخر.
كفانا تلطيخاً للجمال الذي يحيطنا بمفرزاتنا السلبية الملوثة, ألم يحن الوقت لنرى مدى روعة التفاصيل التي نعيشها نحن العراقيين, روعة الروح الأخوية والتكافلية التي لو فقط إنتبهنا لها أو ركزنا عليها لرأينا أنها تجمعنا ببعضنا البعض إخوة وأصدقاء, أتحداك يامن تسخر مني, ان تقول لي إنك لم تحصل يوماً على مساعدة من شخص ما بدون مقابل فقط لمجرد أنك كنت بحاجتها في تلك اللحظة, إما من صديق أو من جار أو من غريب حتى, رآك حائراً تقف منتصف الشارع لا تدري ما تصنع لتجعل سيارتك المتعطلة تدور, أو سامحك في باقي نقود الوجبة التي أكلتها من مطعمه لمجرد إنك نسيت محفظة نقودك في المنزل, أو أوصلك بسيارته مجاناً حين رآك تقف محتمياً من حرارة آب اللهاب تحت شجرة على قارعة الطريق منتظراً من يقلّك.
فكل ما تفكر به يحصل لك ويتحكم بسير حياتك, حكمة قالها عظيم يوماً ما "تفاءلوا بالخير تجدوه" فخذ هذه العبارة وطبقها أين ما شئت وسترى النتيجة.
هنا بودي فقط ان أبين أن هذه المقالة هي ليست دعاية أو ترويج للفلم السينمائي الذي إستشهدت به, لكن الفلم وأحداثه قد نبهتني إلى مدى الروعة التي أعيشها وكم النعم التي لو عددتها لن أحصيها كما ذكر كتاب الله المجيد, وعلى ضوء ما مر يكفيني أن أقول: أفتخر أني عراقي .. عربي .. مسلم .. إنسان

السابق

العائلة والتنمية

التالي

من أنا ؟