أحجار مستثمرة وإستثمارات متحجرة

كل بلد يفخر ويعتز بتراثه وموارده المتنوعة؛ الطبيعية منها والصناعية والتي من الممكن الإستفادة من عائداتها وإستثمارها على نطاقات مختلفة بدءاً بالصناعات والإنتاجات المحلية ومروراً بالمرافق والأماكن السياحية الطبيعية وليس انتهاءً بالتاريخ والآثار.

 

فتجد الدول تتبارى على إستثمار أي مجال من الممكن إستثماره ليكون مورداً سياحياً يدر على تلك الدول بالعملات الصعبة والاموال.

 

لذا ستلاحظ ولمرات عديدة وأنت تزور المناطق السياحية الخاصة بالدولة او المدينة التي تسيح فيها –إن صح التعبير- والتي بذل المتخصصين والقائمين عليها الجهد الكبير في الترويج اعلامياً وسياحياً وبشكل واسع ومبالغ فيه؛ ستلاحظ إن البهجة التي تتحصل عليها والمتعة التي تحس بها هناك أقل كثيراً مما كنت تتوقعه أصلاً عندما كنت تتصفح الإعلانات وتشاهد الصور والبروشورات وما يحكى عنها قبل أن تكون أنت هناك.

 

فمن منا لم يشاهد –إن لم يزور- منطقة (الروشة) في دولة لبنان السياحية الشقيقة؛ وتلك الصخرة الجميلة التي تسحر اللب عند مشاهدتها, وما يروى عنها من حكايات وروايات.

 

ولكن صدقاً ستكتفي –إذا زرت لبنان- بمشاهدة وزيارة تلك الصخرة مرة واحدة فقط طوال إقامتك هناك حتى وإن كانت طويلة, وهذا ينطبق على العديد والعديد من المناطق والأماكن السياحية المشهورة في الكثير من الدول السياحية القريبة والبعيدة.

 

طبعاً لست هنا بصدد أن أنسف أو أقلل من أهمية وجمالية أي منتجع سياحي في أي منطقة من العالم –فأنا لم أزورها جميعاً!!- ناهيك عن صخرة الروشة؛ بل بالعكس تماماً فإني أحترم تماماً ما تقوم به تلك الدول وأحترم تلك العقول التي تعرف كيف تستثمر الصخور الراكدة لتجعلها مغناطيس سياحي كبير يجذب دول العالم.

 

هنا الفرق بين ما تمكن منه الآخرين وبين ما عجزنا نحن عنه –نسبياً-, ولكن في هذا المقال سوف لن تأخذني غيوم الهيجان العاطفي المصحوبة بمشاعر ممطرة وأعدد للقارئ شارحاً ما نمتلكه من موارد متنوعة قابلة للإستثمار السياحي على كافة الأصعدة؛ ولن ألقي باللائمة العظيمة على سياسيينا ومن يقود البلاد؛ مع أن ما يمكن أن أورده هنا مما أشرت إليه سلفاً وما يتبادر للأذهان حالياً فيه من الصحة الكثير والكثير, ولكني سأشير إلى بعض الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الأداء الفقير في إستثمار مواردنا الطبيعة, منها:

 

وفرة البترول في العراق, الأمر الذي يدفعنا إلى التكاسل عن إستغلال موارد أخرى, والعمل الجاد في منافسة الأخرين في كيفية تنويع موارد دخل الميزانية العامة للبلد, فميزانية العراق اليوم تعتمد وبنسبة ضخمة لا تقل عن 90% على صادرات النفط فقط , ومع علمنا أن السياسة اليوم هي من تتحكم بالإقتصاد العالمي مع أن المفروض المنطقي هو العكس, لذا باتت مسألة تنويع موارد الدخل من الأمور الضرورية والأساسية, وما يمر به العراق اليوم من ضائقة مالية كبيرة ما هو إلا مثال واضح لما ذكرت.

 

شعب موظف, حلم كل فرد عراقي أن (يدرس ؛ يتخرج ؛ يحصل تعيين) علماً إن هذه الخطوات المتسلسلة تلحقها خطوة رابعة يتغافل عنها الجميع وبإضافتها تصبح المعادلة أدق وكالأتي: (يدرس ؛ يتخرج ؛ يحصل تعيين ؛ يموت)!

 

لذا تجد من تُقطع عادةً لديه هذه المتتالية العراقية الطبيعية لظرف ما أو أن يفشل في الدراسة مثلاً, أو أن يدرس في "كلية ما بيها مستقبل"! ولا يجد تعيين؛ ستجد هؤلاء هم من يعملون على تقديم إضافات ملموسة في تطور البلد في جوانب عديدة, وهناك العديد من الشواهد والأمثلة على ذلك.

 

أما من يقولون بان الحكومات هي من أوصلتنا إلى هنا وهي من تتحمل وحدها هذه المسؤوليات؛ فالجواب بسيط ببساطة عقولهم هو أن الحكومات تبقى في الأول والأخير جزء من منظومة تسمى (الدولة) وإن إختلفت حصتها.

 

لذا ففي اليوم الذي نستطيع فيه أن نغير نظرتنا كأفراد أولاً ثم كمجتمع ثانياً لما ذُكر في أعلاه حينها فقط سنستطيع أن ننافس النخبة, فالعراق لديه من النسمات الملايين ومن المساحات ما شاء الله ومن الموارد الخام فوق وتحت الأرض الكثير ومن العقول العديد والعديد.

السابق

السيد - واي فاي - و السيدة - نانو -

التالي

الاخلاص والاختصاص