الحرم المصطفى
كثيرا ما أتأمل لأنظر في الجعل الإلهي واصطفائه لظرف زماني أو مكاني معين، حتى تيقّنت أنّ لكل ظرف مزيّته التي يمنحها رفعة الموضوع أو تواضعه، فالحق أنّ الموضوع هو يفضي على الزمان أو المكان ذلك الإصطفاء أو عدمه.
فحين نتدبّر قدسية مكة المكرمة واصطفاء أرضها على سبيل المثال، فإنّ موضوع القداسة هذا باعثه شأن البيت الحرام ومواقف (عباد صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فنقشت قصصهم مصاديقها في تلك البقعة المباركة ليكون بيت الله الحرام رمزاً لتوحيد الله تعالى وعبادته.
وكذا هو الحال في أمر الظرف الزماني وتعظيم الله تعالى لشهر رمضان المبارك، الذي وصفه الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلّم) بأّنّه(شهرهوعند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات) كل ذلك إكباراً وإجلالاً وتعظيماً للقرآن الكريم الذي أُنزِل في هذا الشهر الفضيل، وخُصّت ليلة القدر منه بأفضلية الليالي كونها (خير من ألف شهر) فأفاض الله عليها رحمةً واسعةً وبركات.
وأنا أتمعن بالنظر في سرّ (التربية الحسينية) التي خصها الله تعالى أيضاً بالسموّ كونها ترتبط بالتضحية والفداء اعلاء لكلمة الحقّ ، إذ جعل فيها الشفاء وشرع لها ما لم يشرع لغيرها من سنن وأحكام بحثاً عن موضوعها الغيبي القدسي، خطر لي سؤال وسط هذا الزحام المعرفي عن سرّ هذه الإفاضات ؛ بل ذهب بي التفكير لأقف مستغرباً ومستفهماً عن عظيم الموضوع وشرفه الذي يلتقي فيه شرف الزمان والمكان معاً.
سرحت في التفكير مرةً أخرى بحثاً عن مصداق ما تقدم فوجدت لكربلاء القدسية ذاتها لما لتربتها من خصوصية على بقاع الارض عامةً وللحرم الحسيني المصطفى خاصةً، وكيف خصّها مقايسةً ببقاع الأرض واصقاعها كافةً.
حينها جاشت بي الحسرات وآلمتني الآهات وجالت بي التساؤلات لغفلتنا عن الحرم المصطفى الذي كثيرا ما يجتمع عنده شرف الزمان والمكان في الزيارات المخصوصة، وشرف الخدمة في هذا الحرم المصطفى، و أهلية ما نقوم به من وظيفة تتناسب مع شرف هذا المحل الجليل.
فما هو الجواب حينها إذا كان للوجدان كلمة وللعقل أخرى، وللشرع والناموس موقف، ولله تعالى حساب؟