طفولتهم المسروقة...-عدنان ولينا- مثلاً
طفولتهم المسروقة..."عدنان ولينا" مثلاً
كثيراً ما نتحدث في جلساتنا التي تكون فاكهة حديثنا فيها تذكر أيام الطفولة؛ كيف كانت الحياة يومئذ, وكيف كنا نقضي ساعاتنا وأيامنا ولحظاتنا الجميلة, ما بين (الدُعبل) و (المِطيار) أو في حالة البنات فمن المؤكد أن (لعبة التوكي) سيكون لها الحظ الأوفر والنصيب الاكبر من الحديث.
أيام مضت ولكن بقت أحداثها شاهدة على جمال البراءة التي كنا نحملها كأطفال, ولا ننسى أبداً أفلام الرسوم المتحركة التي كنا نتهافت دوماً لمشاهدتها وما كانت تحمله –صراحةً- من فائدة حقيقية من خلال ترسيخ ثقافة إحترام الأبوين ومساعدة الآخرين وحب الأصدقاء وما شابهها من أهداف أعتبرها سامية, فمثلاً مسلسل (نيلز) الكارتوني لا تسمع خلاله لفظاً واحدة مخلاً بالآداب العامة والأخلاق, وكذا شكل الملابس التي ترتديها الشخصيات الكارتونية كانت محتشمة وبعيدة كل البعد عن الإبتذال, بل إن القائمين على إخراج وتنفيذ هذا المسلسل قصدوا في كل حلقة منه أن يرسخوا لدى الطفل ثقافة الإحترام وحب العمل بل وحقوق الحيوان أيضاً, ومن هو من جيل الثمانينات سيصدقني القول حتماً.
أما في يومنا الحاضر نرى أفلام الكارتون قد تغير محتواها الثقافي والفكري –هذا إن كانت تحملهما أصلاً- بشكل كبير وملحوظ من قبل القائمين على هذا النوع من الفن, فأصبحت تحث على العنف والإبتذال والتعري والتفاهة, متفهةً بطريقها عقول اطفالنا وشبابنا ومدمرة للأجيال القادمة, ففعلوا كما فعل أصحاب موسى (عليه السلام) "إستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!".
إذا تعمقنا بالموضوع سنلاحظ إن الموضوع جاء نتيجة تراكمات ثقافية خاطئة يمكن أن تكون مقصودة من قبل البعض, قد يكون الغرض منها تشويه المنظومات القيمية التي يمتلكها البشر, إما بدافع ربحي أو تسويقي أو من الممكن أن يكون سياسي, ساعدها في الإنتشار بقوة وأخذ مجالها بين المجتمعات؛ وسائل التواصل الأليكترونية -الإجتماعية كما يصفها البعض- التي لا تحكمها اي منظومة اخلاقية أو دينية أو إجتماعية, بل إنها عبارة عن سوق حرة يسمح فيها للجميع بعرض وتسويق بضاعته أياً كان نوعها.
ولا ننسى فإن من خلال الرسوم المتحركة نستطيع ترسيخ ما نشاء من الأفكار والمعتقدات في عقول الأطفال وببساطة جداً وهنا مكمن الخطر, كون الاطفال لا يمتلكون مخزون قيمي أو ديني يمكّنهم من المقارنة بين الخطأ والصواب, على العكس من الكبار فإن مخزونهم القيمي يساعدهم ليكون خط دفاع ضد الهجمات الفكرية المختلفة؛ ولكن إذا كان هؤلاء الكبار أنفسهم قد تعرضوا مسبقاً إلى هجمات مماثلة في وقت لم يكونوا يمتلكون أي خط دفاع من هذا النوع فكيف لهم –الآن وهم كبار- أن يقفوا ضدها؟
لذا فنحن نرى اليوم كيف إستطاع من يوظف الإعلام أن يغزونا بسهولة, كونه قد أسس مسبقاً وبطريقة جيدة لإجتياح العقول والنفوس, ألا ترى كيف يجعلنا الإعلام نتفاعل ونتعاطف مع أبطال الأفلام والمسلسلات التي نشاهدها ليل نهار غير ملتفتين إلى كون هذا البطل رجل مافيا أو سارق بنوك أو عاهرة أو حتى قاتلاً!
ألا ترى أن المسألة معقدة بعض الشيء؟ ويأتيك أحدهم يقول إن الإنسان اليوم أصبح بشخصية إزدواجية؛ أليس هذا أحد الأسباب التي جعلتنا هكذا.
ختاماً؛ وأنا أرى اليوم كيف تحول الإعلام من وسيلة لبناء الإنسان وتنميته إلى وسيلة بعيدة كل البعد عن كلمة (بناء)؛ أتمنى أن تصحح عجلة الإعلام الكبيرة مسارها الذي نشاهدها تنحدر إليه اليوم, ومن المؤكد أن هذا لن يحصل إلا لو إستطاع الرجل المناسب ان يكون في المكان المناسب وفي التوقيت والزمان المناسبين.