ضيافة في الملكوت

بسم الله الرحمن  الرحيم

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة/183)

 

معشوقي الازلي يرسل لي بطاقة دعوة اعدها لي على سفرة ملية بالياقوت والزبرجد افترش بها السماوات ليصحبني إلى هناك على جناح ملك يرتقي بي طبقات الخلد ليسكب لي في قارورة زعفران خليطه مسك ,يدخلني في مهرجان للتدريب على حياة راقية اعد هو خطتها وصاغها بما ينسجم مع نفسي وقدراتي  لأنه الاعرف بي والخبير بسكناتي وحركاتي وغفلاتي ورغباتي لأنه ربي. سأريكم في هذه الأسطر ماذا يحتوي برنامج التنمية الالهية للمجتمعات البشرية في رمضان وماهي البركات الحاصة منه:

 

1- قوة الارادة (من شهد منكم الشهر فليصمه)يؤكد لك حرف اللام في(ليصمه)انك

 

عندما تقتنع بشيء وتملك الارادة القوية .. ثِق بانك ستنجح في تحقيقه .. رغم كل المشكلات والعقبات التي تواجهك .. ستنجح في النهاية

 

2-الايجابية في التعامل(فقولي اني نذرت للرحمن صوما) تدريب يرتقي بك إلى عدم النزاع فقط قل كما تعود في شهر الله (اللهم اني صائم)الايجابية اكسير النجاح .. ومن الصوم نتعلم كيف نتعامل بإيجابية مع الامور .. كيف لا ندع امراً سلبياً يؤثر على الحياة .. كيف نتحلى بمكارم الاخلاق

 

في حياتنا نقابل مواقف قد نتعرض فيها لهجوم الاخرين .. لنقد جارح .. ربما اساءة من الاخر

 

كيف يكون التعامل في مثل هذه الامور .. فقط نقول .. اللهم انى صائم

 

الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب وانما امتناع عن سوء القول والفعل

 

لا تلتفت الى الكلمات السلبية .. ولا ترد الاساءة بالإساءة وتحلى بالأخلاق الحميدة

 

كن كالشجر يُرمى بالحجارة فيرمى بأطيب الثمر .. واعلم ان الضربات القوية تكسر الزجاج لكنها تثقل الحديد

 

3-الصبر وتنظيم الوقت (للصائم فرحتان واحدة عند الافطار وواحدة عندما يلقى الله ليؤجره)

 

الصبر مفتاح الفرج وتنظيم الوقت يمنحنا البركة لإنجاز الكثير من الصوم فنتعلم اهمية النظام وتنظيم الوقت .. في شهر محدد نصوم .. في وقت محدد نمسك عن الطعام .. وفى وقت محدد ايضاً نفطر

 

من الصوم نتعلم كيف نصبر على الجوع .. على العطش .. على امور كثيرة ليست محرمة الا في نهار رمضان .. فهل نصبر بلا نهاية؟ .. لا .. نصبر لان لدينا نظام معين نسير وفقه .. الصوم والصبر من الفجر حتى اذان المغرب

 

عندما يكون لديك خطة معينة ومنظمة .. اصبر على تنفيذ خطواتها .. حتى تحصل على هدفك في النهاية

 

4- الوصول إلى الاهداف (صوموا للهلال وافطروا به)

 

لكل انسان هدف يسعى لتحقيقه ومن المهم ان يكون له شعار يتعامل من خلاله مع الناس من حوله ومع الظروف بأنواعها 

 

شعار يرمز لشخصية الانسان ويدعو صاحبه للخير في القول والفعل(اللهم بلغنا شهر رمضان)

 

5-صلة الارحام والقضاء على الخصومات (قد اضلكم شهر الله بالبركة فصلوا به ارحامكم واطعموا فقراءكم)

 

يُعد رمضان فرصة لصلة الارحام والاحسان الى الجيران وتعميق الاخاء وجبر الكسر الحادث في العلاقات الاجتماعية .... للخروج بعلاقات اكثر متانة وصلات اكثر وثوقاً

 

كما ان اجواء الصيام الروحية والايمانية تساعد على اصلاح ذات البين والتغلب على الخصومات والتصارع فيما قبل رمضان

 

فبات رمضان فرصة سانحة وعملية لتجاوز كل ذلك وطي الصفحة والانطلاق من جديد في اجواء يسودها الصفاء والود

 

طالما ان الانسان لا يحيا بمفرده .. ولن يستطيع فمن المهم الحرص على تكوين علاقات انسانية ايجابية ومن المهم الوصول لنقاط تلاقى بين الجميع لتحقيق ذلك

 

6-اعادة هندسة نفسك

 

يرى علماء النفس المحدثون , أن أي تغيير يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة , يعني حتى تحدث تغييرا حقيقيًا في حياتك فلابد أن تكرر نجاحاته 6 إلى 21 مرة .

 

شهر رمضان 29 إلى 30 يومًا , هذا يعني استمرار النجاح في هذه العبادة العظيمة 30 يومًا .. 30 مرة .. تمسك من الصباح وإلى المغرب فلا تشرب ولا تأكل ولا تجامع ولا تسب ولا تفسق هذه برمجة أكيدة , ولهذا فإنك لا تجد مسلمًا صام رمضان وبعد شهر واحد فقط من حياته إلا وقد تأثر في العبادة إلى الأبد فهذه صفة عظيمة في شهر رمضان , صيام شهر واحد بأكمله من رمضان أفضل نفسيًا وبرمجيًا من صيام متقطع غير مؤقت 60 يومًا أو حتى 600 يوم , هذا لا يقلل من شأن الصيام المتقطع , فصيام أي يوم له فوائد كثيرة , لكن نحن نتحدث عن فضائله في البرمجة النفسية , الاستمرارية لها بالغ الأثر في البرمجة و لهذا السبب تجد إن الإسلام نهى عن الإفطار طيلة أيام رمضان لمن ليس له عذر

 

7- بلوغ المراد وتحقيق الانجاز

 

الإنجاز تكون بدايته الصحيحة في النفس , هناك أناس حققوا الملايين وبنوا القصور وأثاروا الأرض لكنهم في أنفسهم ضعفاء تعساء , ماتوا فماتت دعواهم . رمضان يعلم الإنسان الإنجاز في فترة 30 يومًا مكثفة تصوم نهارك وتقوم ليلك فتشعر في نهاية شهرك أنك حققت ربحًا كبيرًا وأنجزت عملاً عظيمًا , والناس طبيعتها تبدأ متحمسة فتخف الحماسة مع الأيام , أما رمضان فيعلم الإنسان كيف ينجز إذ هي بداية قوية وبإرادة فتصبح أقوى بعد أيام , فإذا طالت المدة تقوت أكثر على غير عادة الكسالى والخائبين فدخل في العشر الأواخر فزادت العبادات وتنشط الكسالى وأطال المسلم ليله في التعبد ونهاره في التلاوة والذكر خاصة إذا كان معتكفًا , فإن لم يكن ففي العمل والذكر والتلاوة , فإذا قربت النهاية زيد من عمله فدخل في الليالي الأكثر بركة , وهكذا يكون الإنجاز الصحيح ، ابدأ عملاً ثم كثّف أكثر ثم إذا قربت من الإنجاز فشد أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام .

 

-8- كسر الروتين

 

الإنسان معتاد أن يقوم في وقت وينام في وقت ويذهب إلى العمل أو الدراسة ويعود ويأكل ويشرب ويتسوق إلى غير ذلك من أمور الدنيا في وقت معين ومحدد , في الغالب , عندما يأتي عليه شهر رمضان المبارك تتغير عليه الأمور ويخرج عن المألوف والروتين المستمر وتتجدد عليه الحياة , ويكاد يجمع العارفون و الباحثون في موضوع الإبداع على إن الإبداع خروج عن المألوف , وما أحوج الإنسان في كل زمان وبالذات في هذا الزمان إلى الإبداع والتجديد , كما أن كسر الروتين والخروج عن المألوف أحد الأعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة . التجديد والتغيير لابد أن يكون في جدولك اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي .

 

التغيير و التجديد سمة من سمات هذا الشهر بل ومن سمات هذا الدين العظيم ,حتى لا تمل النفوس وحتى تتجدد فتنطلق من جديد .

 

وفقنا الله واياكم لصيامه وقيامه

السابق

أصابتني

التالي

عائلتي...بين الحاء والباء