لا تلوموني.. أنا متعب

يرافق مرحلة المراهقة تغيرات منها فسيولوجية و سلوكية تؤدي الى الكثير من الحالات غير الملائمة مثل التعب والكسل و الارهاق السريع، وهنا كثيرا ما يخطئ الوالدين عندما يكلفون المراهق بكثير من الاعباء والمسؤوليات التي لا يقوى على القيام بها. ويجب ان ندرك ان المراهق هنا في هذه المرحلة يكون اقل قدرة على النجاح بالأعمال والمهام الموكلة اليه، مما يؤدي الى:

  • زيادة التوتر العصبي بالإضافة الى الضغط النفسي والانفعالية.
  • اضطرابات هضمية بسبب التغيرات الغددية والتغيرات الداخلية في اعضاء الجسم.
  • يشيع فقر الدم بسبب عادات الطعام غير المنتظمة.
  • الشعور بآلام الظهر والصداع وتكثر عند الفتيات وخصوصا في فترة الدورة الشهرية.

 

التغيرات السلوكية: تحدث هذه التغيرات نتيجة للتغيرات الاجتماعية باعتبار ان المراهق انتقل من مرحلة الطفولة الى الشباب، اي ان هذه التغيرات تعتمد على درجة تفهم المحيطين به لأحواله و عدم الضغط عليه بأكثر مما يطيق، ومقدار تأثيرها يعتمد على درجة نضج المراهق ومعلوماته  ، والاعداد النفسي الذي حصل عليه، وفي حال اهمال فترة الاعداد من خلال استعمال الادوات الصحيحة في التربية ستتجه سلوكيات المراهق نحو اتجاهات سلبية منها:

  • عدم الرغبة في العمل وبذل الجهد او القيام بأي نشاط، بالإضافة الى الملل السريع من الانشطة او الرغبة في التغيير.
  • الرغبة في العزلة ولابتعاد عن الاخرين، كذلك الاحساس بالرفض و النبذ اذ لم يتقدر الاخرون جهوده.
  • العناد والرفض وعدم الانصياع الى الاوامر، لذا يلجأ الى معارضة الاخرين ورفض التعاون معهم ويستخدم كثرة الجدال والنقاش واثارة المتاعب والمشاغبة.
  • مقاومة السلطة وعدم تقبل التوجيهات ، ويحدث خلال هذه الفترة اكبر صراع بين المراهق و الوالدين و خصوصاً الام ، لأنها الاقرب اليه داخل المنزل ، وكلما وجد نفسه انه لم يحقق نصراً في نزاعه، ازدادت مدة مقاومته و عناده، وربما ينسحب وتصدر عنه سلوكيات اخرى سيئة.
  • سلوكيات انفعالية تحدث بسبب التوتر والاضطراب الناتج عن النمو والتغيرات الجسمية، يكون المراهق فيها شديد الحساسية مع زيادة المخاوف الوهمية مما يسبب القلق المستمر والشك في كفاءته الشخصية و الاجتماعية مما يؤدي في بعض الاحيان الى الكآبة والشعور بأنه لم يعد محبوبا وغير مرغوب به .
  • المفهوم الذاتي غير مستقر مما يسبب اخطاء يقع فيها المراهق لمحاولة اثبات نفسه .
  •  قلة الثقة بالنفس تؤدي الى الكثير من سلوكيات منها الرفض و العناد، ويعود السبب في قلة الثقة بالنفس الى قلة المقاومة الجسمية و التعب السريع و ايضا الضغوط الاجتماعية المختلفة ، و قيام الاهل بتكليفه اكثر من طاقته ، كذلك نقد طريقة قيامه بالأعمال، بالإضافة الى اهتمامه بمسائلة  الجنس بسبب نمو الاعضاء والغدد الجنسية، فيحاول الحصول على معلومات بوسائل مختلفة وقد يكون بعضها غير دقيق مما يؤدي الى مشاكل وعادات سلبية منها العادة السرية، وتنحصر هذه المشكلات وتقل حدتها مع مرور الوقت وخصوصا اذا توفرت ظروف تربوية جيدة.
  • احلام اليقظة: احد وسائل لقضاء الوقت يكون فيها هو البطل ، و تعد مصدر مهم للتعبير عن انفعالاته واشباع دوافعه ، وكلما ازداد اندماجه في هذه الاحلام ازداد بعده عن الواقع وقل تكيفه الاجتماعي وبالتالي لجاء الى الانعزال عن المجتمع.
  • الشعور بالحياء حيث يشعر المراهق بالخجل الجديد عندما يراه احد اثناء تغيير الملابس او الاغتسال ويأتي نتيجة التغيرات الجسمية، ولكن هذا الشعور مهم جدا اذ يعتبر اساسا للشعور الاخلاقي فيما بعد ، ويعتبر الحياء احد شعب الايمان.

 

النمو العقلي و المعرفي:

 لكي يتعامل الاباء والامهات جيدا مع المراهق في مرحلة المراهقة المبكرة لابد ان يعرف كيف يفكر وما هو اسلوبه بالتعامل مع الاشياء حوله والى اين وصل النمو العقلي لديهم، حيث تؤكد الدراسات و البحوث انه خلال فترة المراهقة يستمر التغير الكمي الكيفي  ومن مميزاته:

  • يكون المراهق اكثر قدرة على انجاز المهام العقلية بسرعة و كفاءة.
  • تنمو جميع القوى المرتبطة بالعقل وتتخذ بالاتساع كالذاكرة و المخيلة و الابتكار و الابداع، علماً ان عدم الاهتمام بهذه القدرات العقلية سيتسبب بضمورها ومحوها بمرور الزمن، لذا لابد من تنميتها و تقويمها. [1]
  • النمو العقلي لا يسير بسرعة واحدة في جميع الاعمار فقد اثبتت الابحاث ان هذا النمو يكون بطيئاً في الصغر ويلي ذلك فترة نمو عقلي سريع وذلك خلال فترة الطفولة المتأخرة حتى مرحلة المراهقة المبكرة ثم يأخذ النمو العقلي ابتدأ من العام السادس عشر في البطء مرة اخرى.[2]
  • فهم الحقائق: يستمر العقل بالنمو وباقترانه مع الذكاء يقوم الشاب تنفيذ بعض التجارب والابتكارات ، كما يسعى الى معرفة بعض الظواهر.
  • يتميز كل مراهق عن غيره بنشاطات عقلية، فالبعض منهم يمتلك قدرة لفظية و الاخر عددية،... الخ، ويلاحظ ان سرعة التحصيل تبدأ في الظهور في المراهقة المبكرة والميل الى مواد دراسية دون الاخرى .
  • يلجأ المراهقون في مرحلة المراهقة المبكرة الى القراءة الخارجية وتتنوع عناوينها حسب ميولهم الخاص، كما تنمو لديهم القدرة على تعلم المهارات و زيادة المعلومات و يتدرج ادراكهم من المستوى الحسي الى المجرد.
  • تزداد طول فترة انتباههم كما يزداد مداه و بالتالي يزداد الفهم عميقاً ويصبحون قادرين على الفهم والاستدلال بدلا من المحاولة والخطأ.
  • بينما يتميز المراهقون بمستوى عقلي ممتاز الا انهم لا يملكون القدرة على تحليل الامور و تفسيرها ، و بالتالي لم يصل مستواهم العقلي الى الحد الذي يستطيعون من خلاله التميز بين الخير والشر او مصير الامور .
  • يسعون الى امتلاك حياة سعيدة لكن لا يخططون لذلك بشكل صحيح. 

 

النمو الانفعالي:

يتفق العلماء على تسمية مرحلة المراهقة بـ( مرحلة الضغوط و العواصف )، كما يجمعون على ان هذه الازمة تختلف من بلد الى اخر.

و هذه الازمة لا تحدث نتيجة الاسباب داخلية وانما اساليب الاستجابات البيئة الخارجية و تختلف هذه الاساليب في البيئات المختلفة و بالتالي ، فأنه ليس من الضروري ان يمر كل المراهقين بهذه الازمة.

 

تختلف الانماط الانفعالية في المراهقة عن الطفولة في نوع المثيرات و تختلف اساليب التعبير العدواني باختلاف المستوى الاقتصادي و الاجتماعي للمراهق ومن الاساليب المستخدمة للتعبير عنها هي :

  • الغضب: يغضب المراهق حين يتعرض للنقد و السخرية من قبل الاهل او الاصدقاء او المعلمين ، وحين يحرم من بعض الامتيازات التي يعتبرها من حقة او حين يعامل كطفل او حين لا تسير الامور كما يريد او يكون عاجز عن فعل بعض الاشياء التي يريدها او يتدخل احد في شؤونه الخاصة و يقطع عليه افكاره.
  • الشعور بالإحباط عندما لا يكون قادرا على اشباع حاجاته من الاستقلال.
  •  قد يستخدم الصراخ و العدوان و البكاء عند الاناث و لكنه يتحكم به تدرجيا و تحل بدلا عنها مسائل التعبير اللفظي.
  • يشعر بالخجل بسبب شكله او مظهره او ملابسه.
  • الشعور بالقلق : تعد الامتحانات احد مصادر القلق الرئيسية ،بسبب البالغة في تقدير الشهادات ، كما يحدث ايضا بسبب صعوبة تكوين الصداقات ، بالإضافة الى القلق بسبب الاختيار التعليمي و المهني ، وايضا بعض الموضوعات الدينية و الصحية.
  • بعض المشكلات الشخصية: مثل عدم القدرة على الضبط الانفعالي و هذه الانفعالات تدفع المراهق الى اتخاذ اسلوب من الاساليب اللاتوافقية التي تساعده على التخلص من التوتر الذي يعانيه من هذه الاساليب ( المثالية الزائدة ، النشاط الزائد ، الغرق في احلام اليقظة ، التقمص و الانعزال و الانزواء.[3]

 

النمو الاجتماعي:

من اهم مطالب النمو في هذه المرحلة هو تحقيق التوافق الاجتماعي و النفسي للمراهق حيث يحاول المراهق ان يكون رجل المستقبل فهو اذا كان يمتلك جسد الرجل الا انه لا يزال يقوم ببعض التصرفات الصبيانية او غير الناضجة لذلك يتأخر الاهل والمجتمع بإعطائه حقوقه الرجولية الاجتماعية لأنه لازال بنظرهم هو ذاك الطفل الصغير نفسه منها – كذلك الامر بالنسبة للفتاة التي تحب ان تعامل كمرأة ناضجة -  فيؤدي التعارض بين الرغبتين الى ظهور بعض المظاهر الانفعالية و المشكلات التي تختلف من مجتمع الى اخر:

  • بُعد المراهق عن الوالدين، وقضاء معظم وقته من مجموعة او جماعة من الاولاد الذين في عمره او يكبره بسنوات قليلة ، ولهذه الجماعة تأثير كبير على سلوكه و تصرفاته ، وقد يقوم المراهق بتصرفات لا تنسجم مع وضعه الثقافي او الاجتماعي من اجل الحفاظ على مكانته في هذه المجموعة اذا كانت تتعارض مع اهداف المجموعة ، وقد يصل الامر الى ترك التفوق الدراسي اذا كان يتعارض تفوقه  مع اهدافها. 
  • صراع بين جيلين: من اخطر مشاكل المراهقة هو تفضيل المراهق معاير المجموعة التي تتعارض مع معاير الكبار، وهنا يحدث الصراع عندما يصر احد الوالدين على فرض رأيه، ويصر المراهق على معارضة هذا الرأي حتى يلتزم بمعاير المجموعة.

وهنا نجد الصراع الذي يعيشه المراهق بين ما يتوقع منه الوالدين وما يريدونه المجموعة ، فهو يريد ان يكون محبوبا من والديه، مقبولا عند المجموعة، وعادتا ما يفضل المجموعة على الاهل لأنه بحاجة الى النمو الاجتماعي.

  • الصديق المقرب: يختار المراهق او المراهقة شخص يجعله الصديق المقرب له وموضع سره، يشبع في المراهق الكثير من حاجات النمو الاجتماعي، وعادتا ما يكون من نفس الجنس و لديه نفس القدرات و الميول، يقضيان معظم وقتهما معا في المدرسة او الشارع او عبر الاتصال او مواقع التواصل الاجتماعي ، وتكون العلاقة بينهما وثيقة، بالرغم من الخلافات التي تحدث بينهم الا ان علاقتهما تبقى مستمرة.
  • تقمص شخصية: يتقمص المراهق شخصية احد الكبار و يحاول تقليده ، و يظهر ذلك من خلال ارتداء نفس الملابس و تسريحة الشعر، بالإضافة الى سلوك التدخين او القيام ببعض الحركات او استعمال نفس الكلمات.
  • المعلم: يمثل المعلم حجر الزاوية في حياة المراهق فهو يتأثر بيه لدرجة كبيرة.
  • يهتم المراهق هنا في القضايا الاجتماعية و الانسانية و كذلك السياسية و يولي هذه القضايا اهتمام كبيرا ،و يبادر الى تقديم يد العون لمن يحتاج دون تفكير احيانا.
  • اختيار الاصدقاء: يرفض المراهق اي تدخل من الاهل في اختيار الصديق، لأنه يعتبر ذلك ضعفاً في الشخصية و تدخل في شؤونه الخاصة.
  • نسخ شخصية: اكثر ما يكرهه المراهق في هذه المرحلة هو ان يدفع الى ان يكون نسخة طبق الاصل من شخصيات محددة، وان يحدد له ما يرتدي وما يقول و من يصادق،  ويمقت المراقبة و التوجيهات التي تأتي بالتلقين،  فهو يعتبره محو لذات.

 

النمو الخُلقي:

يتعلم المراهق ما يتوقعه منه المجموعة التي ينتمي اليها ويشكل سلوكه في هذا الاطار، اي تحل المبادئ الخلقية بدل المفاهيم السابقة، ويضع ضوابط السلوك الداخلي بدل عن الضوابط الخارجية، فيكون هو مصدر لسلوكه و ليس الوالدين او المعلمين. وهنا يجب ان يدرك المربين من الاهل او المعلمين انه من الخطأ عدم تدريب المراهق على ادراك العلاقة بين المبادئ الخاصة التي تعلمها سابقاً، والمبادئ العامة التي تعد جوهرية في ضبط سلوك في مراحل المراهقة و ما بعدها منها:

  • تقبل المفاهيم: يكون غير مستعد لتقبل بتقبل المفاهيم الاخلاقية اذا لم يقتنع بها و هذا يؤدي الى قلق و اضطراب لدى المراهق.
  • ازدواجية المعايير: اي ان هناك بعض المعايير تكون مسموح بها للذكور و غير مسموح بها للإناث، كما ان هناك كذب مقبول و آخر لا !!، بالإضافة الى الغش في الامتحانات و التعرض الى الفتيات بالقول او الفعل كلها افعال يتساهل فيها المجتمع ، وان شاعت هذه الافعال في المجتمع دليل على الانهيار الاخلاقي له . ولهذا على المربين ان يراعوا تلك الامور و الحد من هذه الظواهر اللاأخلاقية.
  • البحث عن الكمال : تظهر قوة الضمير والشعور بالذنب وهي نتيجة انفعالية تحدث حين يدرك المراهق انه سلوكه و تصرفاته لا تنسجم مع القيم الموجودة في بيئته وايضا يحدث هنا الشعور بالعار، ويحدث ذلك لان المراهقين يبحثون عن الكمال لهذا يضعون معايير اخلاقية مرافعة يصعب الوصول اليها.
  • الالتزام الديني : تعتبر مرحلة يقظة دينية حيث يزيد اهتمام المراهق بالأمور الدينية ، كما ان ملزم بممارسة العبادات كالصلاة و الصوم .
  • الشك الديني: يظهر لدى المراهقين ويكون لدى الذكور اكثر من الاناث، ويكون اقل عند العوائل الملتزمة دينياً . و يعتبر الشك جزاء من النمو المعرفي العام ،واذا توفرت رعاية دينية سليمة للمراهق فأنه سيصل الى الاعتقاد السليم.

 

 

 


[1] تربية الشباب بين المعرفة و التوجيه ص70

[2] كيف تتعامل مع الابناء و البنات في سن المراهقة ص 49

[3] كيف تتعامل مع الابناء و البنات في سن المراهقة ص 32

السابق

اساليب التربية الخاطئة

التالي

انفسهم لكنهم مختلفون