توأم ملتصق

حروف بكر ، وكلمات لم يمسسها نشّال عابر، خُطّت بأنامل طاهرة، تشظّت كقنبلة، أُرغمت على النّزوح إلى مستنقع، كُرّرت كتوأم ملتصق مشوّه، طالتها أيادٍ سارقة فعدّ صاحبها كاتباً !!!

 

كيف تصّح الصّلاة بمغصوب ؟ أم كيف يصّح الحجّ بمال حرام ؟

إنّ الكتابة صلاة في محراب الفكر والخيال والفن والجّمال ، الكتابة حجٌّ بطقوس لا يفقهها إلّا من طهّر ذاته، و أحرم عن فضول الدناءة، فكيف بمن افترش قارعة اللّغة، فأجلس الهمزة الشّامخة على كرسي، وكسر الحرف المفتوح، و فتح المضموم، فصبّ في أذني المستمع لحن غراب.

 

يئنّ الحبر مراقاً على ورقة تنوح، أُجبرا على القران مكرَهين، فأنجبا حروف شبهة، لم يُقِم المجتمع الحدّ على وليّ أمرهما، بل زاد في تبجيله كملك عادل !!

لم تزكم الخيانة الأدبية أنف المستطرقين، ولم تفضح عيون المارّة جريمته الشنعاء، لكنّها لا تغيب عن عين الفاحص الحذق، مجّها كلقمة غصّ بها، أخرجها كشوكة آذت قدمه.

 

فيا من ارتديت مسوح الكتّاب، وانتحلت روائعهم، لست بأفضل حال من وضّاع الأحاديث ومدّنسي المقدّسات، تجّرأت بكل رعونة أن تدّعي ما ليس لك، وتنسب للقبك جملاً ذات آباء، بل نصوصا كاملة تذرّعت بأنها اقتباس !!

 

وإلى الحين الذي يستفيق فيه الجّمهور من ملَكة التّصفيق للمهرّجين، والرّكض وراء كل ناعق، ستبقى رفوف المكتبات تبثّ شكواها، فقد أثقلت ظهرها كتب منسوخة وأخرى منحولة، وأخرى مرقّعة كثوب خلِق،  في سباق غير مشروع لنيل لقب (كاتب).

 

ليس شرطاً أن تكون كاتباً لتكون ناجحاً، دع الحروف لمتقن صياغتها، لا تصنع حلية من طين، فسرعان ما تكسران معاً، فمهما رششت من عطر البراءة، وذررت التّراب في عيون القراء، سيشّهر بفعلتك عرق الكاتب، وأجفانه المكحولة بسواد اللّيل الأدهم.

 

لقد أجبرتك قلة ثقتك بسلوك هذا النّهج الملتوي، و أخضعتك قلة إيمانك تحت سكرة التفوّق ولو نهباً، فلا تستصغرنّ ذنبك، فاختلاس دينار يعدّ جريمة، فكيف باختلاس الرّوح والفكر، لن تشعر بذلك بالطبع، لم تؤرّقك فكرة، ولم تتخبط في صدرك زفرة إبداع، لم يردعك حياء ولم يجابهك ضمير.

 

ستستمتع قليلاً بكلمات الإطراء التي لا تستحقها، بينما يستمتع الكاتب بدغدغة النّجوم، وفيء القمر، بدندنات طفلة، بتهويدة أمّ، برائحة قهوة ، بلون الياسمين، إنّ للكتابة حلاوة لن تذوق طعمها، فمرارة كذبك طغت على لسانك، للكتابة هدير لن تسمع حتى أضعف موجاته ،فجلبة المتزلّفين أصمّت أذنيك.

 

لقد توضّأ الكاتب بماء الزّهر، وفرش خيوط الشّمس، وقف مكبّراً في محراب البديع يتلو آيات لم يقرأها أحد، بينما كان وجهك يُضرب بصلاة غير مقبولة.

السابق

رصانة ونجاح

التالي

معادلة صعبة